شكلت زيارة إيمانويل ماكرون الى لبنان محطة تاريخية في مئوية لبنان الكبير، فحملت معها مستجدات سياسية لم تتوقف عند حدود الحكومة المقبلة بل تعدّتها الى البحث بتعديل النظام السياسي اللبناني، ولكن رغم كل هذه الاهمية التي تجسّدت بمؤتمر صحافي ماراتوني أقامه ماكرون في ختام زيارته امس، أراد بعض اللبنانيين على مواقع التواصل الإجتماعي الإنشغال في أمر آخر. محمد رعد وزجاجة النبيذ الأحمر.
هناك من قال بأن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد انسحب من غداء العمل الذي أقيم امس في قصر بعبدا على شرف الضيف الفرنسي، على خلفية تقديم النبيذ الأحمر على طاولة الغداء.
إنتشر الخبر كالنار في الهشيم، الأمر الذي خلق جدالاً استمر لساعات، بين من ينفي الخبر ومن يؤكده، وبين من يثني على التصرف وبين من يهاجمه، مترافقا مع حملة استهزاء واسعة من الدولة المدنية التي ينادي بها الجميع، الأمر الذي فضح مسألتين، الأولى هي انعدام الثقافة لدى البعض حول الدولة المدنية وماهيتها، والثانية هي استمرار تناقل الأخبار قبل التأكد من صحتها. ومن الثانية نبدأ.
ذكرت مصادر مقرّبة من رعد أن لقاء الغداء لم يكن اللقاء السياسي الأساسي الذي سيجمع ماكرون بالقوى السياسية اللبنانية، بل كان مناسبة اجتماعية تُقام في قصر بعبدا على شرف ماكرون، والبروتوكول لا ينص على تقديم “الكحول” فيها، لذلك فالخبرية ملفّقة، ومغادرة رعد اللقاء قبل نهايته بدقائق سببه ارتباطه بمواعيد سابقة، لا زجاجة نبيذ كما أراد البعض أن يصوّر.
أما بالنسبة الى المسألة الاولى فتذهب المصادر أبعد عندما تسأل: “ماذا لو كان الخمر هو السبب فعلا”؟ مشيرة الى أن الإسلام يحرّم الخمر، ويحرّم الجلوس على طاولة عليها الخمر، لذلك كان الأجدى بمن ينادي بالحرية أن يحترم معتقدات الآخرين، بدل الظهور بمظهر الشخص الذي لا يُدرك المعنى الحقيقي للدولة المدنية، فهذه الدولة غير قائمة على شرب الخمور، ولا على اللباس المثير، بل هي قائمة على احترام المواطن بغض النظر عن طائفته، واحترام معتقداته بشكل كامل، وحريته المطلقة بممارسة معتقداته، مشددة على أن اللبنانيين مدعوين لقبول بعضهم البعض قبل البحث بأي تغيير في نظامهم السياسي او شكل دولتهم، لأن التغيير يبدأ من النفوس قبل ان يصل الى النصوص، لأن تعارض النفس مع النص يخلق مشكلة إضافية.
وتضيف المصادر: “الدولة المدنية هي التي تحمي جميع أعضاء المجتمع فيها، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والقومية والدينية، وهي تتحدث عن فصل الدين عن الدولة، لا فصل الدين عن حياة البشر، أو إبعاده، بل على العكس، هي تضمن ممارسة المعتقدات بشكل حر”، مشددة على أن لا خلاص للبنان اذا لم يتقبل احدنا الآخر كما هو، واحترامه كمواطن لبناني فقط لا غير.
محمد علوش